دخل جو بايدن البيت الأبيض معلناً أن «أميركا عادت»، في إشارة إلى أن السياسة الخارجية وإعادة تأسيس زعامة الولايات المتحدة على الساحة الدولية ستكون إحدى ركائز رئاسته. وخلال معظم فترة ولايته، حقق بايدن تقدماً بخصوص هذا الالتزام، مستفيداً من خبرته الطويلة الممتدة على مدى عقود في السياسة الخارجية.
فقد وحّدت إدارةُ بايدن أوروبا الغربيةَ المنقسمة والحذرة حول قضية أوكرانيا، كبلد يتمتع بالسيادة ويميل نحو الغرب. 
ففي أكتوبر الماضي، مثلاً، أظهر بايدن زعامة واثقة حينما أصبح أول رئيس أميركي يزور إسرائيل، الحليفة الشرق أوسطية، في زمن الحرب. وكما قال أحد المعلّقين الإسرائيليين وقتئذ، فإنه كان من الممكن انتخابه بكل سهولة لأي منصب إسرائيلي يرغب فيه يومذاك. ولكن الآن، ومع اقتراب الرئيس من حملة إعادة انتخاب مرهقة، لم تعد السياسة الخارجية تبدو نقطة قوته إلى حد كبير.
إذ تبدو الحرب في أوكرانيا عالقةً في حالة من عدم الحسم التي تؤدي إلى تآكل الدعم العام الأميركي وتآكل دعم الكونجرس لمليارات الدولارات الإضافية من المساعدات العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا. وبشكل أسرع، أخذت حرب إسرائيل ضد «حماس» تتحول إلى إحدى نقاط الضعف بالنسبة لبايدن. ذلك أن الدعم القوي الذي حظي به في البداية موقف الرئيس الأميركي المؤيد لإسرائيل من دون شروط أخذت تحلّ محله مشاعرُ الاستياء وخيبة الأمل إزاء الخسائر الفادحة والمتزايدة التي تُلحقها الحرب بالمدنيين في غزة - حتى في وقت تتزايد فيه المخاوف من إمكانية أن تجرّ إسرائيل الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية.
والنتيجة هي أن نقطة قوة بايدن المتمثلة في السياسة الخارجية أخذت تتحول تدريجياً إلى إخفاق، كما يقول بعض خبراء الأمن القومي. وفي هذا الإطار، يقول «مايكل ديش»، المدير المؤسس لـ «مركز الأمن الدولي» بجامعة نوتردام في ولاية إنديانا: «يبدو أن أياً من الحدثين الكبيرين في السياسة الخارجية اللذين ربط بايدن نفسه بهما سيحقق نجاحاً كبيراً»، وأضاف قائلاً: «وهذا أزال البريقَ عن صورة بايدن في السياسة الخارجية، وبالمقابل، تساهم كل من أوكرانيا والحرب في غزة في ظهور مسحة من الفشل حول الإدارة مع دخولنا سنة انتخابية». 
ويرى بعض المحللين أنه إذا كانت السياسة الخارجية باتت تمثّل عبئاً بالنسبة لصورة بايدن وحظوظه الانتخابية، فإن ذلك يمكن ربطه بعاملين رئيسيين هما: عدم القدرة على ترجمة أهمية سياسته الخارجية إلى دعم شعبي، والشعور بأن الزعيم الذي دخل السياسة خلال الحرب الباردة ينتهج سياساتِ حقبةٍ زمنية قديمة ومتجاوَزة.
ويقول لورانس كورب، وهو مسؤول سابق في البنتاجون متخصص في الأمن القومي والسياسة الخارجية بـ «مركز التقدم الأميركي» في واشنطن: «شخصياً، أعتقدُ أن سياسات بايدن كانت رائعة، لقد كان حذراً ومتأنياً ولكن في الوقت نفسه كانت لديه رؤية. فقد أنقذ أوكرانيا من روسيا الاستبدادية وأعاد رصّ صفوف أوروبا، ثم إنه حقق ذلك من دون نشر قوات أميركية على الأرض». 
ويضيف قائلاً: «لكن الحقيقة هي أن الناس لا يرون ذلك، إذ يتساءل الشعب الأميركي بشكل متزايد: لماذا تهمني أوكرانيا؟، أو يقول: أهي حرب أخرى في الشرق الأوسط؟». 
ولدى «كورب» قناعة بأن ما يراه الأميركيون في الواقع هو آثار أزمة على حدودهم الجنوبية، حيث يستمر آلاف المهاجرين - من أميركا اللاتينية، ولكن أيضاً من أماكن بعيدة جداً مثل أفريقيا والصين - في دخول البلاد بشكل غير قانوني. ويقول: «إن رؤية كل هؤلاء المهاجرين القادمين من بلدان مختلفة يُنقلون على متن حافلات إلى مدنهم تجعل الناس يشعرون بشعورهم ويتعاطفون معهم». 
وبالفعل، فإذا كان بايدن قد فشل حتى الآن في إقناع الأميركيين بأهمية أولويات سياسته الخارجية، فإن «الجمهوريين» يعزفون على وتر حساس عبر استخدامهم «قضية الحدود» من أجل إنشاء رابط - رابط مضر بالرئيس - بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية، كما يقول ديش.
ويقول: «لقد استغل (الجمهوريون) قضية الهجرة غير الشرعية واستخدموها لصالحهم عبر ربطها بالمساعدات التي تقدّم لإسرائيل وأوكرانيا»، مضيفاً: «وهذا يجد له صدى عند الكثير من الأشخاص عندما يتساءلون حول إرسال مليارات الدولارات لتأمين بلدان أخرى، في حين يبدو أننا غير قادرين على تأمين حدودنا».
ومن جانبه، يلفت «كورب» إلى أن بايدن، الذي دخل الكونجرس عام 1973، يأتي من حقبة لم يكن فيها أي أحد من الحزبين ليقترح إرجاء النظر في الحرب الباردة خدمةً لبعض السياسات الداخلية الشعبية. ويقول في هذا الصدد: «إنك ترى كيف يعرقل الجمهوريون 100 مليار دولار من المساعدات الخارجية بسبب قضايا سياسية داخلية، وهذا أشبه بقول أحد الحزبين إبان الحرب الباردة إننا لن نوافق على نظام أسلحة لمواكبة السوفييت حتى نخفض الضرائب»، مضيفاً: «إنه أمر لا يمكن تخيله».
لكن ذلك قد يُبرز التحدي الآخر الذي يواجهه الرئيس بايدن في تحويل نظرته للسياسة الخارجية لمكسب سياسي: أن رؤيته للعالم ربما لا تلقى صدى لدى العديد من الأميركيين اليوم. ويقول الدكتور «ديش» في هذا الصدد: «إن تجربة بايدن كانت في فترة لا تشبه في أي شيء تقريبا تلك التي نعيشها اليوم».
عندما يتحدث بايدن عن معركة حاسمة بين الديمقراطية، فإنه يشير ضمناً إلى أميركا التي هزمت الاتحاد السوفييتي وحوّلت القوتين المهزومتين في الحرب العالمية الثانية، ألمانيا واليابان، إلى حليفتين ديمقراطيتين. ولكن البعض يشكك في جاذبية هذه الرسالة. وفي هذا السياق، يقول كورب: «للأسف، الكثير من الناس يسمعون ذلك فتتداعى في أذهانهم صور الخروج من أفغانستان، والفوضى التي حدثت، وكيف مات أميركيون في هذه العملية»، مضيفاً: «يمكنك أن تحاجج بأن الفضل في أوكرانيا وإسرائيل ينبغي أن يعود (إلى بايدن)، ولكن ذلك ليس هو ما يعتقده الكثير من الناس».
وبالمقابل، يحاجج البعض بأن ما يراه العديد من الأميركيين هو عزلة متزايدة تتعارض مع معركة بايدن العالمية من أجل الديمقراطية والقانون الدولي.
لكن الدكتور ديش يرد على ذلك بالقول إن الأميركيين ليسوا مهتمين كثيراً بـ «رفع الجسور المتحركة» بقدر ما هم مهتمون بتغيير الوضع الراهن وتأمين صفقة أفضل لأميركا. «ما نراه في التشديد على أنه لم يعد يمكن لنا الاستمرار في لعب دور الداعم والحامي في أوكرانيا هو شعور واسع بأن الظروف تغيرت وأن الطريقة القديمة للقيام بالأشياء لم تعد مقبولة»، مضيفاً: «ومشكلة بايدن هي أنه، في السياسة الخارجية كما في مجالات أخرى، هو يمثّل الوضع الراهن بامتياز، وهو ما يدفع الناس للبحث في أماكن أخرى».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»